1
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا *** وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
2
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى *** صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا
3
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ *** فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
4
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ *** وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
5
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى *** وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
6
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى *** وَقَد كانَ غَدّارًا فَكُن أَنتَ وافِيا
7
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ *** فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
8
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها *** إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
9
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصًا مِنَ الأَذى *** فَلا الحَمدُ مَكسوبًا وَلا المالُ باقِيا
10
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى *** أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
11
أَقِلَّ اِشتِياقًا أَيُّها القَلبُ رُبَّما *** رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
12
خُلِقتُ أَلوفًا لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا *** لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
13
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ *** حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا
14
وَجُردًا مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا *** فَبِتنَ خِفافًا يَتَّبِعنَ العَوالِيا
15
تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا *** نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا
16
وَينظُرْنَ مِن سودٍ صَوادِقَ في الدُجى *** يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَا
17
وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعًا *** يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا
18
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَباحِ أَعِنَّةً *** كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنها أَفاعِيا
19
بِعَزمٍ يَسيرُ الجِسمُ في السَرجِ راكِبًا *** بِهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجِسمِ ماشِيا
20
قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ *** وَمَن قَصَدَ البَحرَ اِستَقَلُّ السَواقِيا
21
فَجاءَت بِنا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ *** وَخَلَّت بَياضًا خَلفَها وَمَآقِيا
22
نَجوزَ عَلَيها المُحسِنينَ إِلى الَّذي *** نَرى عِندَهُمْ إِحسانَهُ وَالأَيادِيا
23
فَتىً ما سَرَينا في ظُهورِ جُدودِنا *** إِلى عَصرِهِ إِلاَّ نُرَجّي التَلاقِيا
24
تَرَفَّعَ عَن عَونِ المَكارِمِ قَدرُهُ *** فَما يَفعَلُ الفَعْلاتِ إِلا عَذارِيا
25
يُبيدُ عَداواتِ البُغاةِ بِلُطفِهِ *** فَإِن لَم تَبِدْ مِنهُمْ أَبادَ الأَعادِيا
26
أَبا المِسكِ ذا الوَجهُ الَّذي كُنتُ تائِقًا *** إِلَيهِ وَذا الوَقتُ الَّذي كُنتُ راجِيا
27
لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دونَهُ *** وَجُبتُ هَجيرًا يَترُكُ الماءَ صادِيا
28
أَبا كُلِّ طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ *** وَكُلَّ سَحابٍ لا أَخَصُّ الغَوادِيا
29
يَدِلُّ بِمَعنًى واحِدٍ كُلَّ فاخِرٍ *** وَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ المَعانِيا
30
إِذا كَسَبَ الناسُ المَعالِيَ بِالنَدى *** فَإِنَّكَ تُعطي في نَداكَ المَعالِيا
31
وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجِلٌ *** فَيَرجِعَ مَلْكًا لِلعِراقَينِ والِيا
32
فَقَد تَهَبَ الجَيشَ الَّذي جاءَ غازِيًا *** لِسائِلِكَ الفَردِ الَّذي جاءَ عافِيا
33
وَتَحتَقِرُ الدُنيا اِحتِقارَ مُجَرِّبٍ *** يَرى كُلَّ ما فيها وَحاشاكَ فانِيا
34
وَما كُنتَ مِمَّن أَدرَكَ المُلكَ بِالمُنى *** وَلَكِن بِأَيّامٍ أَشَبنَ النَواصِيا
35
عِداكَ تَراها في البِلادِ مَساعِيًا *** وَأَنتَ تَراها في السَماءِ مَراقِيا
36
لَبِستَ لَها كُدْرَ العَجاجِ كَأَنَّما *** تَرى غَيرَ صافٍ أَن تَرى الجَوَّ صافِيا
37
وَقُدتَ إِلَيها كُلَّ أَجرَدَ سابِحٍ *** يُؤَدِّيكَ غَضبانًا وَيَثنِكَ راضِيا
38
وَمُختَرَطٍ ماضٍ يُطيعُكَ آمِرًا *** وَيَعصي إِذا اِستَثنَيتَ لَو كُنتَ ناهِيا
39
وَأَسمَرَ ذي عِشرينَ تَرضاهُ وارِدًا *** وَيَرضاكَ في إيرادِهِ الخَيلَ ساقِيا
40
كَتائِبَ ما انفَكَّت تَجوسُ عَمائِرًا *** مِنَ الأَرضِ قَد جاسَت إِلَيها فَيافِيا
41
غَزَوتَ بِها دورَ المُلوكِ فَباشَرَتْ *** سَنابِكُها هاماتِهِمْ وَالمَغانِيا
42
وَأَنتَ الَّذي تَغشى الأَسِنَّةَ أَوَّلاً *** وَتَأنَفُ أَن تَغشى الأَسِنَّةَ ثانِيا
43
إِذا الهِندُ سَوَّت بَينَ سَيفَي كَريهَةٍ *** فَسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التَساوِيا
44
وَمِن قَولِ سامٍ لَو رَآكَ لِنَسلِهِ *** فِدَى اِبنِ أَخي نَسلِي وَنَفسي وَمالِيا
45
مَدًى بَلَّغَ الأُستاذَ أَقصاهُ رَبُّهُ *** وَنَفسٌ لَهُ لَم تَرضَ إِلاَّ التَناهِيا
46
دَعَتهُ فَلَبّاها إِلى المَجدِ وَالعُلا *** وَقَد خالَفَ الناسُ النُفوسَ الدَواعِيا
47
فَأَصبَحَ فَوقَ العالَمينَ يَرَونَهُ *** وَإِن كانَ يُدنيهِ التَكَرُّمُ نائِيا