تصور حياتك بلا شنكليش
10/04/2008 | كتب فى: طبخ | الكاتب: عوني
بدأت القصة منذ زمن بعيد في مدينة عكار – شمالي لبنان. و ليعذرني الإخوة السوريون الذين ينسبون بدايته إليهم! هناك في عكار (فقط) كانت فكرة إبتكار ما يسمى بالشنكليش (الشين مفتوحة والنون ساكنة و اللام مكسورة!)، و هو نوع من الجُبن المخمّر المصنوع من لبن البقر .. أو الماعز. و إذا سألتني: من يأكله يا رجل؟ أجيبك: إنه من الأطباق الشائعة في لبنان و سوريا و ربما فلسطين. نعم قد لا يعجبك منظره في الصورة لكن العبرة ليست دائما بالمنظر. فما هو الشنكليش إذن؟
الشنكليش – أيضا الشنغليش (shankleesh أو shanklish) – بإختصار هو جبنة معفّنة. يتم تصنيعها بطريقة معيّنة و يضاف لها البهارات و الزعتر (الصعتر). ثم تكوّر لتصبح كرات جامدة و تُحفظ بعد ذلك في حجرة التجميد (freezer).
ليس هناك “فيتو” على توقيت تناول الشنكليش. تستطيع أن تأكله عند الصباح و عند الظهيرة و عند المساء، لا يهم التوقيت ما دام ما تضعه في بطنك هو الشنكليش. و إذا صاحبته بالشاي و البندورة (الطماطم) و البصل و الفليفلة و الخيار و النعناع و أضفت له زيت الزيتون الأصلي، سيكون ذلك يوما قد دعت لك فيه أمّك!
نصنّفه ضمن ما يُعرف بـ “المازَة” .. و هي كلمة إغريقية أو تركية أو فارسية تستخدم في بلاد الشام، و تعني المشهّيات – أصناف المأكولات التي تُؤكل قبل أو مع الطعام لكي تحفّز و تزيد من شهيّتك. لذلك فالشنكليش ليس من الأطباق الرئيسية.
قائمة المازات اللبنانية: الحمّص – الكبّة – الكبّة النيئة – النقانق – السجق – اللبن – اللبنة – الشنكليش – التبّولة – الفتّوش – السلطة – الخرشوف (أرضي شوكي) إلخ…
فلسفة تصنيع الشنكليش
صناعة أو تحضير الشنكليش ليست بالمعضلة لكنها أيضا تحتاج منك إلى “فن” و يعتمد ذلك على ذوقك في تحضير الطعام. و كلما تفاديت استخدام التكنولوجيا الحديثة في صنعه كلما كان ما تصنعه أطيب. لذلك فاحذف مثلا الخلاط (blender) و البراد من قاموس الأشياء التي ستستعين بها في صنع و حفظ الشنكليش. و من هنا نبدأ:
1- حليب البقر يتم تحويله إلى لبن. و بالطبع أعتقد مسبقا يا سيدتي أنك ستّ بيت مثقّفة و تعرفين كيف يتم تصنيع اللبن من الحليب.
2- أسكبي اللبن في وعاء مفلطح (الأفضل أن يكون مصنوعا من الفخّار). أكاد أتصور أنك تجلسين الآن على الأرض و تحرّكين الوعاء – بعد تضغطيته – تارة إلى الأمام و تارة إلى الخلف، ثم تتوقفين كل عشر دقائق فترفعين الغطاء عنه ثم تقشُطي (تكشُطي) طبقة الزبَد التي تطفو على اللبن. يجدر بك الآن أن تستمري في هذا العمل إلى أن يتم إستخلاص نصف كمية الزبد الموجودة في اللبن. و يطلق على هذه العملية خضّ اللبن. و أنوه هنا أن الشنكليش التجاري الذي يباع في المحلات يكون مصنوعا من اللبن الخالي كليا من الزبد، لكنني أفضل أن نتبع فلسفتنا الخاصة و الأصلية في تصنيع الشنكليش.
3- ضعي اللبن الآن في الطنجرة (وعاء للطهو)، و سخّنيه على النار حتى يتشكل طبقة من الماء الأزرق (مصل اللبن) أعلى الطنجرة و بقايا مادة بيضاء (القريش) في أسفل الطنجرة.
4- أتركيه لكي يبرد ثم صبّيه في كيس من القماش و دعيه لمدة 12 ساعة لكي يتصفّى جيدا من الماء ليتكوّن ما هو موضّح في الصورة السابقة. بعد ذلك تضيفين له الملح و الفلفل الحار (لستِ مُلزمة بإضافة الفلفل الحار و يبقى الخيار لك) و تبدئين بتكوير ما تبقى من اللبن الناشف لتصنعي منه ما يشبه كرات التنس.
5- أتركي كرات التنس (الشنكليش طبعا!) مفرودة على قطعة قماش في مكان مشمس (سطح المنزل مثلا) لمدة 10 أيام حتى تنشف آخر ذرة ماء فيها و يظهر عليها طبقة من العَفَن (الخميرة) التي تحمي الكرات من التلف. خذيها الآن إلى داخل المنزل و افركيها لكي تُزال عنها الغبار ثم غمّسيها بالزعتر البلدي حتى تلتصق هذه الأخيرة. لم يبق لديك الآن سوى لفّها بقطعة قماش و حفظها في مرطبان زجاجي مضغوط و مانع لدحول للهواء حتى تتخمّر ببطىء، و بعد أسبوع (الأفضل بعد شهر) قدميها لمن تحبّين من أصدقائك و أهلك، و سأعتب عليكم بشدّة إن لم أكن أنا ضمن لائحة المعزومين!
و أراك الآن تهز برأسك و تقول: “لقد أصبت يا رجل!” فحبذا لو تزورنا في لبنان لتذهب إلى عكار و تصعد الجبال المحاذية للبحر لتصل إلى القرى النائية التي تجد فيها بيوتا قرميدية مبنيّة من الحجر القديم لتسأل عن شكنليشنا. و لابد أنك ستجد هناك سيدة عجوز جالسة في الحقل. ستقول لها: “عوافي. بلاقي عندك يا خالتي شويّة شنكليش؟” و سترد عليك: “يا عيوني إنتي. إتفضّل. الشكنليش كله عنّا!”…